الأحد، 16 يناير 2011

إرادة الحياة - أبو القاسم الشابي

. الأحد، 16 يناير 2011
0 التعليقات



 
إذا الشّعْبُ  يَوْمَاً  أرَادَ   الْحَيَـاةَ       فَلا  بُدَّ  أنْ  يَسْتَجِيبَ   القَـدَر


وَلا بُـدَّ  لِلَّيـْلِ أنْ  يَنْجَلِــي          وَلا  بُدَّ  للقَيْدِ  أَنْ   يَـنْكَسِـر


وَمَنْ  لَمْ  يُعَانِقْهُ  شَوْقُ  الْحَيَـاةِ        تَبَخَّـرَ  في  جَوِّهَـا   وَانْدَثَـر


فَوَيْلٌ  لِمَنْ  لَمْ   تَشُقْـهُ   الْحَيَاةُ        مِنْ   صَفْعَـةِ  العَـدَم  المُنْتَصِر


كَذلِكَ  قَالَـتْ  لِـيَ  الكَائِنَاتُ        وَحَدّثَنـي  رُوحُـهَا    المُسْتَتِر


وَدَمدَمَتِ   الرِّيحُ   بَيْنَ   الفِجَاجِ     وَفَوْقَ  الجِبَال  وَتَحْتَ   الشَّجَر

 
إذَا مَا  طَمَحْـتُ  إلِـى  غَـايَةٍ       رَكِبْتُ   الْمُنَى  وَنَسِيتُ   الحَذَر

 
وَلَمْ  أَتَجَنَّبْ  وُعُـورَ  الشِّعَـابِ       وَلا كُبَّـةَ  اللَّهَـبِ   المُسْتَعِـر

 
وَمَنْ  لا  يُحِبّ  صُعُودَ  الجِبَـالِ        يَعِشْ  أَبَدَ  الدَّهْرِ  بَيْنَ   الحُفَـر

 
فَعَجَّتْ  بِقَلْبِي   دِمَاءُ   الشَّبَـابِ        وَضَجَّتْ  بِصَدْرِي  رِيَاحٌ   أُخَر

 
وَأَطْرَقْتُ ، أُصْغِي لِقَصْفِ  الرُّعُودِ  وَعَزْفِ  الرِّيَاح  وَوَقْعِ  المَطَـر

 
وَقَالَتْ لِيَ الأَرْضُ - لَمَّا  سَأَلْتُ :  " أَيَـا أُمُّ  هَلْ تَكْرَهِينَ  البَشَر؟"

 
"أُبَارِكُ  في  النَّاسِ  أَهْلَ  الطُّمُوحِ  وَمَنْ  يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ  الخَطَـر

 
وأَلْعَنُ  مَنْ  لا  يُمَاشِي  الزَّمَـانَ    وَيَقْنَعُ  بِالعَيْـشِ  عَيْشِ  الحَجَر

 
هُوَ الكَوْنُ  حَيٌّ ، يُحِـبُّ  الحَيَاةَ        وَيَحْتَقِرُ  الْمَيْتَ  مَهْمَا  كَـبُر

 
فَلا  الأُفْقُ  يَحْضُنُ  مَيْتَ  الطُّيُورِ        وَلا النَّحْلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَــر

 
وَلَـوْلا   أُمُومَةُ    قَلْبِي   الرَّؤُوم      لَمَا ضَمَّتِ  المَيْتَ تِلْكَ  الحُفَـر

 
فَوَيْلٌ لِمَنْ  لَمْ  تَشُقْـهُ   الحَيَـاةُ      مِنْ   لَعْنَةِ   العَـدَمِ   المُنْتَصِـر!"

 
وفي   لَيْلَةٍ   مِنْ   لَيَالِي  الخَرِيفِ        مُثَقَّلَـةٍ  بِالأََسَـى   وَالضَّجَـر

 
سَكِرْتُ  بِهَا  مِنْ  ضِياءِ   النُّجُومِ     وَغَنَّيْتُ  لِلْحُزْنِ   حَتَّى  سَكِـر

 
سَأَلْتُ الدُّجَى: هَلْ  تُعِيدُ   الْحَيَاةُ      لِمَا   أَذْبَلَتْـهُ   رَبِيعَ    العُمُـر؟

 
فَلَمْ   تَتَكَلَّمْ     شِفَـاهُ    الظَّلامِ        وَلَمْ  تَتَرَنَّـمْ  عَذَارَى   السَّحَر

 
وَقَالَ  لِيَ  الْغَـابُ   في   رِقَّـةٍ        مُحَبَّبـَةٍ  مِثْلَ  خَفْـقِ  الْوَتَـر

 
يَجِيءُ  الشِّتَاءُ  ،  شِتَاءُ الضَّبَابِ  شِتَاءُ  الثُّلُوجِ  ، شِتَاءُ  الْمَطَـر   

 
فَيَنْطَفِىء السِّحْرُ ، سِحْرُ الغُصُونِ  وَسِحْرُ  الزُّهُورِ   وَسِحْرُ  الثَّمَر   

 
وَسِحْرُ  الْمَسَاءِ  الشَّجِيِّ   الوَدِيعِ  وَسِحْرُ  الْمُرُوجِ  الشَّهِيّ  العَطِر

 
وَتَهْوِي    الْغُصُونُ     وَأَوْرَاقُـهَا       وَأَزْهَـارُ  عَهْدٍ  حَبِيبٍ  نَضِـر

 
وَتَلْهُو  بِهَا  الرِّيحُ  في   كُلِّ   وَادٍ       وَيَدْفنُـهَا  السَّيْـلُ  أنَّى  عَـبَر

 
وَيَفْنَى   الجَمِيعُ   كَحُلْمٍ   بَدِيـعٍ        تَأَلَّـقَ  في  مُهْجَـةٍ   وَانْدَثَـر

 
وَتَبْقَى  البُـذُورُ  التي   حُمِّلَـتْ       ذَخِيـرَةَ  عُمْرٍ  جَمِـيلٍ  غَـبَر

 
وَذِكْرَى  فُصُول ٍ ،  وَرُؤْيَا   حَيَاةٍ    وَأَشْبَاح   دُنْيَا   تَلاشَتْ   زُمَـر

 
مُعَانِقَـةً  وَهْيَ  تَحْـتَ الضَّبَابِ        وَتَحْتَ الثُّلُوجِ وَتَحْـتَ  الْمَدَر

 
لَطِيفَ  الحَيَـاةِ الذي  لا  يُمَـلُّ        وَقَلْبَ  الرَّبِيعِ   الشَّذِيِّ   الخَضِر

 
وَحَالِمَـةً  بِأَغَـانِـي  الطُّيُـورِ        وَعِطْرِ  الزُّهُورِ  وَطَعْمِ   الثَّمَـر

 
وَمَا  هُـوَ  إِلاَّ  كَخَفْـقِ  الجَنَاحِ       حَتَّـى  نَمَا شَوْقُـهَا  وَانْتَصَـر 

 
فصدّعت  الأرض  من    فوقـها     وأبصرت الكون  عذب  الصور

 
وجـاءَ    الربيـعُ      بأنغامـه        وأحلامـهِ  وصِبـاهُ   العطِـر

 
وقبلّـها   قبـلاً   في   الشفـاه        تعيد  الشباب الذي  قد   غبـر

 
وقالَ  لَهَا : قد  مُنحـتِ   الحياةَ        وخُلّدتِ  في  نسلكِ  الْمُدّخـر

 
وباركـكِ  النـورُ   فاستقبـلي        شبابَ  الحياةِ  وخصبَ   العُمر

 
ومن  تعبـدُ  النـورَ   أحلامـهُ        يباركهُ   النـورُ   أنّـى   ظَهر

 
إليك  الفضاء  ،  إليك  الضيـاء     إليك  الثرى   الحالِمِ   الْمُزْدَهِر

 
إليك  الجمال  الذي   لا   يبيـد        إليك  الوجود  الرحيب  النضر

 
فميدي كما  شئتِ  فوق  الحقول     بِحلو  الثمار  وغـض الزهـر

 
وناجي  النسيم  وناجي  الغيـوم     وناجي النجوم  وناجي  القمـر

 
وناجـي   الحيـاة   وأشواقـها        وفتنـة هذا الوجـود  الأغـر 

 
وشف  الدجى  عن  جمال عميقٍ     يشب  الخيـال ويذكي   الفكر

 
ومُدَّ  عَلَى  الْكَوْنِ  سِحْرٌ  غَرِيبٌ        يُصَـرِّفُهُ  سَـاحِـرٌ  مُقْـتَدِر

 
وَضَاءَتْ  شُمُوعُ النُّجُومِ  الوِضَاء وَضَاعَ  البَخُورُ  ، بَخُورُ   الزَّهَر

 
وَرَفْرَفَ   رُوحٌ   غَرِيبُ   الجَمَالِ       بِأَجْنِحَـةٍ  مِنْ  ضِيَاءِ   الْقَمَـر

 
وَرَنَّ  نَشِيدُ   الْحَيَاةِ    الْمُقَـدَّسِ       في  هَيْكَـلٍ حَالِمٍ  قَدْ  سُـحِر

 
وَأَعْلَنَ  في  الْكَوْنِ  أَنَّ   الطُّمُوحَ     لَهِيبُ الْحَيَـاةِ  وَرُوحُ الظَّفَـر

إِذَا   طَمَحَتْ   لِلْحَيَاةِ    النُّفُوسُ        فَلا  بُدَّ  أَنْ  يَسْتَجِيبَ  الْقَـدَرْ

 

Read More »»

الاثنين، 10 يناير 2011

أجراس المحبة وأقراصها – فهمي هويدي

. الاثنين، 10 يناير 2011
0 التعليقات



لا تطمئننا كثيرا أجراس المحبة التي يتردد رنينها في الفضاء المصري منذ وقعت فاجعة الإسكندرية منذ عشرة أيام،
ذلك أن أخشى ما أخشاه أن نكتفي بالرنين، معتبرين أننا أدينا ما علينا لينصرف بعد ذلك كل إلى حال سبيله.

بطبيعة الحال فليس لدى أي اعتراض على مشاعر المودة التي أبديت، ولدي استعداد لأن اعتبرها صادقة ونابعة من القلب،
لكن اعتراضي ينصب على أمرين،

أولهما أن نكتفي بإطلاق تلك المشاعر، بحيث لا يختلف موقفنا عن أولئك الذين توافدوا على سرادق العزاء ذات مساء لكي يقوموا بالواجب لبعض الوقت، ثم ينفضون بعد ذلك لينشغل كل واحد بأمره الخاص،

الأمر الثاني أن تظل أبصارنا متجهة نحو قضايا التعصب والتطرف والمطالب القبطية، ولا نتطرق إلى شيء من المناخ أو التربة التي أفرزت هذه الأمور وعقَّدتها.

لم أفهم مثلا، لماذا لم ننتبه إلى الجهد الذي بذل طوال السنوات الماضية لتفكيك مصر وإضعاف وشائجها وحصاناتها، ومن ثم تجريدها من المناعة التي تمكنها من الصمود أمام تغول السموم الفكرية والثقافية.

إن بعض الجهابذة ما برحوا يلحون على فكرة "الدولة المدنية" كحل للإشكال، وكان توظيفهم للفكرة واضحا في وضع ما هو مدني مقابل ما هو ديني. بمعنى أن مرادهم بات محصورا في تحدي الديني بالمدني، ووضعهم موضع التضاد الذي يراد له أن ينتهي بإقصاء الديني وهزيمته. وهي فكرة خائبة ومغلوطة علميا وسياسيا.

فليس صحيحا أن المدني نقيض للديني، ولا علاقة لما هو مدني بحضور الدين أو العقيدة، ولكن فكرة المجتمع المدني نشأت أصلا لتحدى سلطة الكنيسة مستهدفة الخلاص من استبدادها، وإدارة المجتمع من خلال منابره الأصلية والمؤسسات التي تمثل الناس ولا تمثل سلطة الكنيسة أو حتى سلطة الملك.

وفي تعريفات علماء الاجتماع، فليست وظيفة المدني إقصاء الديني، وإنما استثمار قيمه الإيجابية لخدمة الناس والنهوض بالمجتمع.

تمثل خيبة الفكرة والتغليظ أيضا في أن المتحدثين عن المجتمع المدني تجاهلوا حقيقة أنه لا تقوم له قائمة إلا في مجتمع ديمقراطي يرتفع فيه سقف الحرية، ويكون للناس فيه حضورهم الفاعل، متمثلا في النقابات والأحزاب والمنظمات الأهلية، إلى جانب المؤسسات المستقلة الأخرى كالقضاء والمجالس النيابية والبلدية،

لم يملك أحد من أولئك الجهابذة شجاعة الإعلان عن أن قضية الديمقراطية ضرورية لقيام المجتمع المدني، لأن ذلك المطلب موجه إلى النظام القائم.

وهذا الإغفال ليس بريئا ويتعذر افتراض السهو فيه، لأن الذين استحضروا فكرة "المدني" لم يشغلوا أنفسهم بالديمقراطية أو بمشاركة المجتمع في صياغة حاضرة ومستقبلة، ولكنهم ظلوا مهجوسين بفكرة إقصاء الديني بالدرجة الأولى. إن شئت فقل إنهم شغلوا بمراراتهم وتصفية حساباتهم بأكثر من انشغالهم بعافية المجتمع أو مستقبله.

لقد ظلت "أجراس المحبة" تلح كثيرا على فكرة التسامح، الأمر الذي يدعونا إلى التساؤل عن حضور تلك القيمة في الواقع، خصوصا في سلوك الحكومة والنموذج الذي تقدمه، ولأن نموذج الانتخابات التشريعية لا يزال ماثلا في أذهاننا، فإننا إذا استحضرنا تفاصيله ونتائجه فسنكتشف أن الحكومة والحزب الحاكم من ورائها قدما لنا في الانتخابات درسا في اللاتسامح والقمع، بحيث صودر "الآخر" وسحق تماما بمنتهي القسوة والفظاظة.

ومن حق أي أحد في هذه الحالة، وفي حالات أخرى مماثلة وكثيرة، أن يتساءل:
لماذا نطالب بالتسامح من جانبنا. في حين أن ممارسات الحكومة -خصوصا أجهزتها الأمنية- لا أثر فيها لأي تسامح مع المواطنين.

بل إنها في بعض الأحيان تبدى تسامحا مع الأجانب والغرباء، ولا يخطر على بالها أن تعبر عنه مع المواطنين
(هل تذكر حادثة زميلنا مجدي حسين الذي ذهب ليتضامن مع غزة عبر أحد الأنفاق، فسجن ثلاث سنوات، وحين فعلها صحفي إسرائيلي وجاء إلى سيناء، فإنه سلم إلى حكومة بلاده في ذات الأسبوع).

الذي حدث مع التسامح تكرر مع قيمة المواطنة، التي ذكرت أمس أن السلطة حين أرادت تعطي انطباعا بالدفاع عنها فإنها أضافت المصطلح إلى نص المادة الأولى من الدستور، مكررة معنى مذكورا بطريقة أفضل في المادة 40 منه. وبعد ذلك التدخل اللغوي ظلت المواطنة شعارا معلقا في الهواء، ولم نر له أثرا على أرض الواقع.

إن أجراس المحبة تحولت في حقيقة الأمر إلى أقراص للمحبة مهمتها مقصورة على التسكين وامتصاص الغضب،

وما لم نفتح الملفات الكبيرة، ونملك شجاعة التصدى لأصل الداء الذي ضرب مصر كلها، متمثلا في تغييب الديمقراطية وإهدار قيم القانون والتسامح والمواطنة وغيرها من أعمدة العيش المشترك. فإن صوت الأجراس سيذوي بمضي الوقت، ولن يكون له صدى يذكر، وسنخرج من الفاجعة بمثل ما دخلنا فيها بالضبط.
.....................

Read More »»

الأحد، 9 يناير 2011

قبل أن تدهمنا فتنة أكبر

. الأحد، 9 يناير 2011
0 التعليقات






ما بال أقوام يحسبون أنه لا سبيل إلى إطفاء نار الفتنة الطائفية في مصر إلا بإضعاف الهوية الإسلامية للبلد، الأمر الذي يغدو نوعا من الشطط الذي يستبدل بفتنة أخرى أكبر منها وأشد خطرا.
(1)
حين وقعت الواقعة في نجع حمادي وروعنا جميعا بسببها، حذرت من تدخلات المتعصبين والمزايدين والمتربصين، وتمنيت عليهم أن يخدموا الوطن في أثناء الأزمة بسكوتهم وامتناعهم عن التحريض وتأجيج المشاعر وتوسيع الحريق. لكن ذلك لم يحدث للأسف، وإنما، وجدنا تنافسا بين عناصر الفئات الثلاث على تحقيق أكبر عدد من أهدافهم وسط المعمعة.
وبدا أن القاسم المشترك الأعظم في مسعاهم هو تهميش حضور الإسلام في إدراك الجماهير فضلا عن المجال العام. في مسعى يكاد يكون تمثلا لحالة الرجل الذي يقول المثل العامي إنه أراد أن «يكحلها فأعماها» عن عمد وسبق إصرار.
آخر ما يخطر على البال إذ يظن بي أنني أدعو إلى التهوين مما جرى، لأن ما أتمناه حقا ألا نبالغ في رد الفعل، بحيث نعطى الموضوع حقه بغير زيادة أو نقصان، كما أنني أرجو ألا يزايد علي أحد في تأصيل حق الأقباط كمواطنين وشركاء في المصير.
"
القاسم المشترك الأعظم للمتعصبين والمزايدين والمتربصين، في قضية نجع حمادي هو تهميش حضور الإسلام في إدراك الجماهير فضلا عن المجال العام, في مسعى يكاد يكون مطابقا للمثل أراد أن «يكحلها فأعماها» عن عمد وسبق إصرار
"
وقد سجلت موقفي هذا في كتابي «مواطنون لا ذميون»، الذي طبع منذ نحو ربع قرن «عام 1985»، وعلقت بعض فصوله في الكنائس المصرية آنذاك، ولعل كثيرين يذكرون مقالتي التي منعت «الأهرام» نشرها في عام 1995، ودعوت فيها إلى انتخاب كل الأقباط الذين ترشحوا لعضوية مجلس الشعب وقتذاك.
وكانت المقالة ردا على دعوة مرشح الحزب الوطني عن دائرة حي الظاهر بالقاهرة، إلى عدم التصويت لمرشح حزب الوفد منير فخري عبد النور، لأنه قبطي، ولا يتسع المجال لاستعراض كتابات أخری سجلت فيها موقفي إزاء الموضوع، خصوصا أن تلك الكتابات متوفرة في أي أرشيف له صلة به.
إنني أخشى أن نكرر خطيئة الرئيس بوش بعد أحداث 11 سبتمبر، حين بالغ في رد الفعل، وأعلنها حربا مفتوحة على «الإرهاب». وتصور أن بمقدوره إعادة تشكيل العقل الإسلامي من جديد. فدعت إدارته إلى تغيير مناهج التعليم وتجديد الخطاب الديني وأخضعت منظمات المجتمع المدني الإسلامية للرقابة والتفتيش، ولم يكتف بمعاقبة الذين ارتكبوا الحادث ومن ورائهم. ثم كانت النتيجة فشلا على كل الجبهات. فلا هو قضى على الإرهاب، ولا غير من عقول المسلمين وثقافتهم، وإنما أشاع بينهم درجات متفاوتة من البغض والكراهية للولايات المتحدة وسياساتها، حتى أصبحت إحدى مشكلات خلفه أن يحسن من صورة بلاده في العالم الإسلامي.
ما يحدث في مصر الآن شيء قريب من هذا. ذلك أن التعامل مع الجريمة البشعة التي وقعت في نجع حمادي لا يريد له البعض أن يكتفي بمعاقبة الجناة ومن وراءهم، وتحري الأسباب الحقيقية التي دعتهم إلى ارتكاب الجريمة، وإجراء حوار جاد حول مصادر التعصب ومطالب الأقباط، ولكن أولئك البعض، الذين هم خليط من الفئات الثلاث سابقة الذكر. نقلوا المناقشة إلى مستوى آخر، استهدف الهوية الإسلامية لمصر. فدعوا إلى إضعاف تلك الهوية، ومنهم من تحدث بصراحة عن طمس تلك الهوية ومحوها تماما. وكما أن بعض الناشطين الإسلاميين رفعوا شعار الإسلام هو الحل، فإن أصحابنا هؤلاء رفعوا شعارا ملغوما مضادا قالوا فيه إن الإسلام هو المشكلة.
(2)
حتى أكون أكثر تحديدا فإنني أفرق بين دائرتين للحوار، الأولى تتصل بمطالب الأقباط وحقوقهم كمواطنين في البلد، والثانية تتعلق بالخطوط الحُمر التي ينبغي الوقوف عندها حفاظا على مقومات المجتمع ودفاعا عن السلم الأهلي، وقبل التطرق إلى المطالب فإنني ألفت النظر إلى أن الاستجابة لها لا علاقة لها بعدد الأقباط في مصر ونسبتهم المئوية بين السكان.
ولذلك فإنني لا أجد مبررا للمبالغة أو المزايدة في هذا الباب. وهي ملاحظة عنت لي حين لاحظت أن بعض المثقفين وبعض المسؤولين أيضا يتحدثون عن أن الأقباط يمثلون 10٪ من سكانها. وتلك معلومة تدهش خبراء الإحصاء في مصر الذين يقطعون بأن تلك النسبة لا تتجاوز 6٪ في أحسن فروضها. ويستندون في ذلك إلى مؤشرات 13 إحصاء تمت في مصر منذ بدأت في عام 1897، في ظل الاحتلال البريطاني لمصر.
وبعض تلك الإحصاءات أشرف عليها الإنجليز، وبعضها شارك نفر من الأقباط في إجرائها (رئيس الإحصاء في تعداد عام 1937 كان حنين بك حنين وفي إحصاء عام 1976 كان المسؤول عن التعداد في الوجه البحري قبطي آخر هو السيد موريس حنا غبريال، وكيل الوزارة بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء).
"
خلال 113 عاما لم تتغير نسبة الأقباط في مصر إلا في حدود هوامش بسيطة للغاية, ولذلك ليس هناك مبرر منطقي للمزايدة والقفز بالنسبة إلى 10٪ أو أكثر، لأنهم لو كانوا واحدا في المائة فحقهم في المواطنة والمساواة مكفول
"
وفي كل تلك الإحصاءات التي تمت خلال 113 عاما لم تتغير النسبة التي أشرت إليها، إلا في حدود هوامش بسيطة للغاية تقل عن نصف في المائة ولذلك فليس هناك مبرر منطقي للمزايدة والقفز بالنسبة إلى 10٪ أو أكثر، لأنهم لو كانوا واحدا في المائة فحقهم في المواطنة والمساواة مكفول ولا ينبغي أن ينتقص منه.
إن المطالب الخاصة بإصدار قانون موحد لدور العبادة، والمساواة في الوظائف العامة، ووقف القدح في المعتقدات الدينية، وتجريم أي تمييز أو تحقير ينال أي مواطن بسبب معتقده الديني، وغير ذلك من المطالب التي تتعلق بحقوق المواطنة ومقتضيات المساواة، هذه كلها أمور مشروعة، وليس هناك أي مبرر للتقاعس في الاستجابة لها.
ولا أفهم مثلا لماذا تأخر إصدار القانون الموحد لدور العبادة طوال أربعين عاما. ذلك أنه من مصلحة الجميع أن تخضع عملية بناء دور العبادة لقواعد واحدة، تمكن كل المتدينين من أداء شعائرهم، وليت التوحيد لا يقتصر على شروط البناء، وإنما يشمل أيضا مجمل الظروف التي تعمل في ظلها تلك الدور. وهو ما قد يمكن المساجد من الإفادة من الحريات المتاحة للكنائس، سواء في عدم تقييد مواعيد الفتح والإغلاق أو رفع يد وزارة الداخلية عن الوعاظ فيها، إلى جانب التسامح مع ما تمارسه من أنشطة اجتماعية وثقافية وخيرية.
(3)
هل لا بد لإنصاف الأقباط إضعاف الإسلام ومطاردة مظاهره في مصر؟ وهل هذا ممكن من الناحية العملية؟ وما تأثير هذه الدعوة على السلم الأهلي والتعايش المفترض بين المسلمين والأقباط؟
وهل يصبح الأقباط في أمان في هذه الحالة؟ وبعد الانسحاب من العروبة تطبيقا لشعار مصر أولا وأخيرا، ماذا يبقى من مصر إذا طمس الإسلام فيها وصار بدوره «محظورا»؟
هذه أسئلة من وحي الكتابات التي نشرها نفر من «المصريين الجدد» مؤخرا، وأزعم أنها ألقت بذور فتنة أخرى نسأل الله أن يجنبنا شرورها، وحتى لا يظن أحد أنني أبالغ فيما سألت عنه، فإنني سأكتفي بالإشارة إلى بعض الأفكار والعناوين التي نشرتها الصحف المصرية في الآونة الأخيرة، فقد كتب أحد القيادات الثقافية في ثنايا مقال عن «مواجهة ثقافة التخلف» أن ظاهرة التدين في مصر وصلت إلى معدلاتها الخطرة، وأن الظاهرة في مجملها تهدد المجتمع المدني، لا فرق في ذلك بين معتدلين ومتطرفين.
وقالت ناقدة أدبية إن المشكلة ليست في تأويل النص (القرآني) ولكنها في النص ذاته. وأخذ ثالث على ثورة يوليو أنها أنشأت المؤتمر الإسلامي ومجمع البحوث الإسلامية. وذلك أدى إلى إطلاق يد المتطرفين، مما أدى إلى انهيار أركان النهضة في مصر وتراجع ثقافتها لتحل محلها ثقافة التطرف والخرافة والانحطاط.
"
هل لا بد لإنصاف الأقباط إضعاف الإسلام ومطاردة مظاهره في مصر؟ وهل هذا ممكن من الناحية العملية؟ وما تأثير هذه الدعوة على السلم الأهلي والتعايش المفترض بين المسلمين والأقباط؟
"
ودعا أحد الكتاب إلى إلغاء تدريس مادة التربية الدينية في المدارس. واحتجت إحدى الكاتبات على الاستشهاد بالنصوص الإسلامية في حث التلاميذ على الالتزام بالفضائل والقيم. وقالت إن الإشارات إلى الصدق أو الشجاعة أو البر بالوالدين في كتب المدارس ليس لها مرجعية أخلاقية أو وطنية، وإنما تعزز اعتمادا على نصوص إسلامية. واعتبرت أن تدريس النصوص التي تحث المسلمين على أي فعل حميد يغرس التفرقة بينهم وبين الأقباط، ونشرت إحدى الصحف قائمة بوصايا عشر للقضاء على الفتنة الطائفية اقترحها أستاذ جامعي.
من هذه الوصايا نزع الملصاقات الدينية من حوائط الدواوين الحكومية، ومنع إقامة الصلوات في أماكن العمل، مع إلغاء منحة التأخير للأقباط يوم الأحد. منها أيضا منع أي نشاط اجتماعي لدور العبادة، وتسليم المستوصفات ودور الحضانة إلى الحكومة لتدار دون أن تكون لها أي هوية دينية. منها كذلك منع نشر أي فتاوى دينية في وسائل الإعلام التابعة للحكومة، وإلغاء الصفحات الدينية، والتوسع في إقامة نوادي الشباب ومنع ممارسة أي نشاط ديني بها... إلخ.
إلى جانب كل إلغاء لحضور الدين أو مظهر له في المجتمع فثمة اتفاق بين هؤلاء جميعا وأمثالهم على المطالبة بإلغاء المادة الثانية للدستور، التي تنص على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام وأن مبادئ الشريعة تعد المصدر الرسمي للتشريع في مصر، وهو المبدأ المستقر في الدستور المصری منذ عام 1923، وظل مكانه ثابتا في كل الدساتير اللاحقة التي صدرت طوال الـ28 عاما التالية، لا يستثنى من ذلك إلا دستور 1958 الذي صدر في عهد الوحدة بين مصر وسوريا (المستشار طارق البشرى اعتبر أن وجود المادة الثانية بصيغتها الحاضرة يحقق الإسناد الشرعي الإسلامي لمبدأ المساواة التامة بين المسلمين والأقباط في جميع المجالات، بمعنى أنها توفر مرجعية إسلامية لكل المبادئ الواردة بالدستور المتعلقة بالمواطنة والمساواة).
(4)

"
حصر البحث عن حلول للمشكلة في حدود توجيه المطالب واللجوء إلى الإجراءات الحكومية لا يكفي لوأد الفتنة وإطفاء نارها, إنما يتعين أيضا النظر إلى البيئة السياسية الراهنة، التي افتقدت إلى الرؤية الإستراتيجية الواضحة "
سألت بعض المخضرمين في العمل السياسي: لماذا لم تطل الفتنة الطائفية برأسها في المرحلة الناصرية، ولماذا استشرت في المرحلتين التاليتين، اللتين تنسبان إلى الرئيسين السادات ومبارك؟ ولماذا لم تتحقق الوحدة الوطنية المنشودة رغم أن قانونا صدر لحمايتها في عام 1972؟ في ردهم قالوا إن وجود حكومة قوية في عهد الرئيس عبد الناصر، توفرت لها رؤية إستراتيجية واضحة، ومشروع وطني جامع.
هذان العاملان، كانا على رأس الأسباب التي شكلت بيئة سياسية لم تسمح بظهور الفتنة الطائفية. (قال لي السيد سامي شرف مدير مكتب الرئيس عبد الناصر أنه بتوجيه من الرئيس كان يجتمع يوم الاثنين من كل أسبوع مع الأنبا صمويل -أحد أساقفة الكنيسة- للتفاهم حول مختلف الأمور العالقة بين المسلمين والأقباط). وحين لم تتوفر تلك البيئة في المرحلتين التاليتين فإن الرئيس السادات حاول أن يستعيض عنها بالإجراءات، التي تمثلت في قانون الوحدة الوطنية.
هذا التحليل إذا صح فإنه يعني أن حصر البحث عن حلول للمشكلة في حدود توجيه المطالب واللجوء إلى الإجراءات الحكومية لا يكفي لوأد الفتنة وإطفاء نارها. إنما يتعين أيضا النظر إلى البيئة السياسية الراهنة، التي افتقدت إلى الرؤية الإستراتيجية الواضحة والمشروع الوطني المعبر عن طموحات الجماهير وأشواقها، مما أسلم المجتمع إلى تيه أوصل الناس إلى ما وصلوا إليه الآن من تفكيك وتخبط.
وهذه هي الفتنة الكبرى التي لا يريد أحد أن يتحدث فيها، لأن ذلك ينقل الحوار من مستوى السجال الطائفي إلى أفق النقد السياسي. وهى حدود عندها يتوقف الكلام المباح.


المصدر: الجزيرة

Read More »»

تفجير الإسكندرية.. معا للتغيير

.
0 التعليقات








لا تتحدث هذه المقالة عن الأطراف المحتملة التي ارتكبت جريمة انفجار كنيسة القديسيْن بالإسكندرية في الساعة الأولى من عام 2011، ولا تقدم البراهين على أن هذا العمل الإجرامي لا يمت بصلة إلى الإسلام، أو أنه يخترق أبجديات حقوق الإنسان. إن ما تهتم به المقالة هو الأسباب والأوضاع التي هيأت المجال العام في مصر لهذا الاحتقان الطائفي والاختراقات الأمنية.
ضعف الدولة وفشل الحكومةبالطبع لا يمكن اختزال أسباب الجريمة في عنصر واحد. لكن هناك حقيقة تقول إن الاحتقان الطائفي لا ينمو ويستفحل أمره إلا في الدول الضعيفة التي تتحكم فيها حكومات لا تعمل إلا لمصالح فئات محددة. لهذا فالعامل الجوهري -في اعتقادي- هو ضعف الدولة ومؤسساتها وفشل حكوماتها في أداء وظائفها.
أما العوامل الأخرى التي يحلو للبعض البدء منها لتفسير ما حدث -كالخطاب السلفي الأخير المناهض للكنيسة، والخطاب الديني بشكل عام في المنابر والفضائيات، وتصاعد الدور السياسي للكنيسة الأرثوذكسية، وتحركات أقباط المهجر- فهي في اعتقادي نتيجة لذلك العامل الجوهري.
"
بعض المسلمين يربون أبناءهم على عدم التحدث أو الاختلاط بالمسيحيين، كما أن من المسيحيين من يرون أن المسلمين ضيوف على مصر، ومنهم من أعلن استعداده للشهادة لمنع تفتيش الأديرة!
"
ضعف الدولة أدى إلى نتائج سلبية كثيرة، أولها انتشار ثقافة إقصائية ترى الأمور باللونين الأبيض والأسود، تشترك في ترويجها وسائل إعلام غير منضبطة تفتح المجال أمام محترفي الشهرة والنجومية أو ضيقي الأفق، وتغرز قيما هدامة وسلبية في كثير من الحالات. كما يسهم في نشر هذه الثقافة النظام التعليمي الضعيف الذي يخرج أجيالا أحادية التفكير، لا تمتلك أدنى مقومات الانتماء والوطنية والتسامح.
هذا بجانب أن ضعف الدولة ومؤسساتها الدينية، وعلى الأخص مؤسسة الأزهر، أدى إلى خلو المجال العام من خطاب ديني عصري، ومن ثم إفساح المجال أمام شيوع خطاب ديني إقصائي لا يصلح حتى للعصور الوسطى.
وقد أنتجت هذه الثقافة سلوكا كان غريبا عن المجتمع المصري حتى سنوات قليلة خلت، فبعض المسلمين يربون أبناءهم على عدم التحدث أو الاختلاط بالمسيحيين، كما أن من المسيحيين من يرون أن المسلمين ضيوف على مصر، ومنهم من أعلن استعداده للشهادة لمنع تفتيش الأديرة!.
الدور السياسي للكنيسةولعل من أبرز نتائج ضعف الدولة هو قيام الكنيسة الأرثوذكسية، منذ مطلع السبعينيات، بدور سياسي في المجال العام للدولة المصرية بعد أن حافظت لقرون على وظيفتها الأصلية، وهي الوظيفة الروحية. لقد ظل المصريون –المسيحيون والمسلمون واليهود– يمارسون العمل السياسي من خلال مؤسسات سياسية ومدنية كالأحزاب والنقابات حتى مطلع السبعينيات، ويكفي هنا التذكير بالتحام المصريين جميعا ضد الإنجليز ونضالهم معا من أجل الاستقلال، وتولي أقباط مناصب رفيعة في الدولة قبل عام 1952، منها منصب رئيس الوزراء.
واليوم تصاعد النفوذ السياسي للكنيسة داخل الدولة وصارت الحكومة تتعامل معها بعيدا عن القانون، وكأن الكنيسة دولة داخل الدولة. ومارست الكنيسة عمليات ابتزاز تجاه الدولة، وتطاول بعض رؤوسها على الدولة وعلى القرآن، ثم كان تعنت الكنيسة في مسألة احتجاز السيدتين اللتين تردد أنهما اعتنقا الإسلام وسلمتهما أجهزة الأمن للكنيسة، كما لام بعض المسيحيين الكنيسة لدفعها المسيحيين إلى مصادمات مع الشرطة في أحداث العمرانية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني. ولا ندري ما هو تفسير إفراج النائب العام بعد ثلاثة أيام من تفجير الإسكندرية عن 23 قبطيا من المحتجزين على خلفية تلك المصادمات.
ومع ضعف الدولة ومؤسساتها وحرص النظام على استمراره، استخدم الأمن لتأمين الحكومة والنظام وقمع المعارضين، واحتواء الأحزاب والنقابات وكافة القوى الوطنية، بدلا من الانشغال بوظيفته الأسمى والأرفع، وهي أمن المجتمع بكافة فئاته وطبقاته ومؤسساته.
"
اليوم تصاعد النفوذ السياسي للكنيسة داخل الدولة، وصارت الحكومة تتعامل معها بعيدا عن القانون، وكأن الكنيسة دولة داخل الدولة, ومارست عمليات ابتزاز وتطاول على الدولة
"
والأخطر أنه كلما ضعفت الدولة، ازداد ميل الحكومة نحو حسم القضايا والمشكلات بالخيارات الأمنية. هكذا سارت الأمور مع المسيحيين ومع الإخوان، بل ومع المعارضين وأساتذة الجامعات. الدول الحديثة لا تستخدم الأمن إلا لضبط الأمن الجنائي، وليس لقمع المعارضين أو للتعامل مع الخلافات السياسية والفكرية.
هذه الأوضاع السيئة هي التي أدخلت البلاد في صفقات مشبوهة بين الحكومة والكنيسة على حساب القانون والمواطنة، الأمر الذي أغضب بدوره فئات أخرى ودفعها للخروج في مظاهرات ضد الكنيسة، وهذه فئات ما تظاهرت قط من قبل برغم كل المصائب التي مرت بها مصر من غلاء واستبداد وتبعية خارجية، وتزوير انتخابات واختراقات إسرائيلية. وأقصد هنا هبة التيار السلفي ومظاهراته ضد مسألة احتجاز السيدات المصريات في الكنيسة.
الاختراق الخارجي للدولةوالأخطر أن ضعف الدولة فتح المجتمع أمام الاختراق الخارجي لزرع بذور فتنة طائفية، إلى الحد الذي لم نسمع معه أي تعليق من مسؤول واحد على تصريح الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) الجنرال عاموس يادلين، الذي نشرته صحف القاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
جاء في التصريح: "لقد تطور العمل في مصر حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979. فقد أحدثنا اختراقات سياسية وأمنية واقتصادية في أكثر من موقع، ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائما ومنقسمة إلى أكثر من شطر، لتعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، ولكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسنى مبارك عن معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في هذا البلد".
صحيح أن الدول تتآمر على بعضها البعض وتحاول اختراق الخصم وتفتيت وحدته، لكنه يجب ألا نلوم الآخر بقدر ما نلوم أنفسنا، فضعفنا في الداخل هو الذي سمح لدوائر أجنبية باختراق أمننا القومي، وسمح لها باستخدام البعض في الداخل والخارج لتحقيق مصالح تلك الدوائر، وعلى رأسها إنهاك مصر وإشغالها بقضايا محلية وبفتنة طائفية تمنعها من استعادة دورها الحضاري في المنطقة.
وتزامن كل هذا مع فشل آخر في تنفيذ برامج تنمية اقتصادية تصل ثمارها لكل المصريين، وفشل في صنع سياسة خارجية تدافع فعلا عن مصالح مصر. وانشغلت مصر عما حدث ويحدث في دول عربية شقيقة، ولم تتعلم دروس الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في لبنان والسودان ونيجيريا، وأبعاد الخصام بين السنة والشيعة في العراق وباكستان.
فصل الكنيسة والأمن عن الدولةلا بد من أن تنتج المحن والمواقف العصيبة إرادة عمل مشتركة لمواجهة تداعيات الحادث. ومن هنا فالحل يجب أن يبدأ من جذور المشكلة وليس من أعراضها.
ولهذا، أطالب بفصل الكنيسة عن الدولة، ورفع يد الدولة عن الأزهر، وأطالب بفصل الأمن عن الدولة، وفصل الحكومة عن الدولة.
"
يجب على الكنيسة أن تكف عن دورها السياسي، وتعود إلى دورها الروحي في إرشاد المسيحيين, والأزهر لا بد من أن يُحرر من قبضة الحكومة ليقوم بدوره الديني في إنتاج خطاب ديني عصري
"
فيجب عدم تصوير الحل على أننا ننادي بدولة مدنية تجاه الدولة الدينية. فالدولة إما أن تكون دولة أو لا تكون. والحكم الديني الذي ظهر في أوروبا لم يشكل دولا بالمفهوم الشائع الآن، كما أن الخبرة الإسلامية لم تشهد مثل ذلك النوع من الحكم في الأساس.
ما أقصده هنا هو أننا نرى الحل في دولة المؤسسات الحديثة التي لا تعادي الدين ولا تقصيه كمرجعية عليا لمن شاء، لأن الدين مكون أساسي من مكونات ثقافة المصريين.. نريد دولة لا تعمل على تديين المجال العام أو استغلال الدين في تحقيق مصالح بعيدة كل البعد عن الدين.
دولة تستند إلى القانون والمواطنة، وتعمل مؤسساتها وحكوماتها من أجل مصالح كل فئات وطبقات المجتمع، وتتم فيها مناقشة المشكلات المختلفة للمسلمين والمسيحيين –ومنها مسألة التمييز في الوظائف وبناء دور العبادة والأحوال الشخصية- داخل مؤسسات الدولة، استنادا إلى القانون وإلى قيم المواطنة والكفاءة، وبعيدا عن نظام الحصص التي قد تزرع الطائفية وتعمقها.
يجب عدم تصور أن الحل يبدأ من القضاء على الخطاب الديني القائم، إذ يجب عدم تحميل الحالة الدينية في مصر مسؤولية ما حدث، ففي اعتقادي الدين والمتدينون هم ضحية الحكومة وسياساتها، كما أن الخطاب الديني الإقصائي في الجانبين المسيحي والإسلامي هو نتاج طبيعي لضعف الدولة ومؤسساتها بالشكل التي تحدثت عنه سابقا.
هو عَرَضٌ لمرض وليس المرض ذاته. إن تصويب مسار الخطاب الديني يحتاج إلى وقت ممتد وجهد مستمر، وإلى مؤسسات واعية في مجال الثقافة والتعليم والتدريب، ولن تتوفر هذه المتطلبات إلا في دولة القانون والمؤسسات.
أما الكنيسة فيجب أن تكف عن دورها السياسي، وتعود إلى دورها الروحي في إرشاد المسيحيين. والأزهر لا بد من أن يُحرر من قبضة الحكومة ليقوم بدوره الديني في إنتاج خطاب ديني عصري، بدلا من ترك الساحة لأنصاف المتعلمين والمتعصبين في الفضائيات وعلى منابر المساجد، ولا بد من أن يمارس الأزهر وظيفته الأصلية في إنتاج معرفة إسلامية عصرية وتخريج دعاة مستنيرين.
إن غضب المصريين -المسيحيين والمسلمين- لابد أن يتجه ليس نحو المناداة بتشريع قانون هنا أو هناك، أو مناشدة الحكومة التوقف عن التمييز في الوظائف، إذ لن يجدي كل هذا، فسياسات الحكومة هي التي خلقت هذه المشكلات، وبالتالي فالحل هو في التحام كل المصريين وتركيز مطالبهم على وضع دستور ديمقراطي جديد يقوم على المواطنة والمساواة والتعددية السياسية، دستور يمهد الطريق لانتخابات حقيقية تنتج حكومة وطنية منتخبة ومسؤولة. هذا النوع من الحكومات هو وحده القادر على التصدي للمشكلات القائمة وللاختراقات الخارجية.
لا بد من أن يتجه غضب المصريين ليس إلى إقالة وزير هنا أو مسؤول هناك، وإنما إلى المطالبة بتنحي الحزب الحاكم ودخوله في حكومة إنقاذ وطني مع كافة القوى الوطنية الأخرى، لفترة انتقالية يتم خلالها تمهيد الطريق لتشكيل جمعية وطنية تأسيسية، تتولى مهمة إعداد دستور ديمقراطي توافقي، يقوم على نظام سياسي برلماني ومفهوم حقيقي للمواطنة وتعددية سياسية وحزبية حقيقية، وقانون انتخابي قائم على القائمة النسبية.
"
لا بد من أن يتجه غضب المصريين إلى المطالبة بتنحي الحزب الحاكم ودخوله في حكومة إنقاذ وطني مع كافة القوى الوطنية الأخرى لفترة انتقالية يتم خلالها الإعداد لدستور ديمقراطي توافقي
"
والعمل العام في دولة المؤسسات لا بد من أن يمارس في إطار الأحزاب السياسية والمجتمع المدني وليس في الكنيسة أو المسجد، وبضوابط كثيرة. ولا بد من أن يتجه غضبنا إلى المطالبة بحرية تكوين الأحزاب بأي مرجعيات كانت، طالما أنها تحترم الدستور والدولة والتداول السلمي على السلطة ولا تحتكر الدين، مع وضع ضمانات تحول دون احتكار فئات أو أسر معينة لهذه الأحزاب، وقد يكون منها ضرورة وجود عدد من الأقباط والنساء والشباب في الهيئات العليا وفي أماكن متقدمة في القوائم الانتخابية لكل حزب.
دولة المؤسسات تقتضي أيضا فصل الحكومة والنظام ومؤسساته المختلفة بما فيها مؤسسة الأمن عن الدولة. لا يعرف الكثيرون أن الأصل هو أن الحكومة ليست هي الدولة حتى يحتكرها الحزب الحاكم، ويعبث بها وبمؤسساتها الوطنية وبمستقبلها على النحو القائم، وإنما هي مؤسسة واحدة من مؤسسات الدولة التي على الأمن حمايتها.
كما لا يعرف الكثيرون أن مؤسسة الأمن مؤسسة مدنية من المؤسسات الوطنية للدولة، وليست من أدوات الحكومة أو النظام حتى يتم الزج بها في خصومات مع المسلمين والمسيحيين، وإشغالها بقضايا وخلافات سياسية.

Read More »»

السبت، 8 يناير 2011

عشر أسئلة حول مقتل السيد بلال !!

. السبت، 8 يناير 2011
0 التعليقات


1-المقتول -رحمة الله عليه- سلفي وملتحٍ، فهل سيُقال أيضًا أنه ابتلع لفافة بانجو؟!

2-هل سيتعاطف شباب الفيس بوك مع القتيل الملتحي فيطلقون لحاهم تضامنا معه أم أن رفع الصليب تضامنا مع قتلى النصارى أيسر ؟!!
.........
3- هل ستخرج وفود كنسيَّة لتعزية أهل القتيل كما هرولت الوفود من الأزهر لتعزية البابا؟!

4- هل سيُعزِّي شيخ الأزهر أهل القتيل، أم أن تعزية المسلمين لا تجوز؟!

5- هل ستُكرَّس وسائل الإعلام للتنديد والشجب كما حدث مع ضحايا النصارى في تفجير الكنيسة؟!

6- إذا كان الجاني في تفجير الكنيسة مجهولًا حتى الآن؛ فهل سيُعاقب الجاني في جريمة السيد بلال إن كان معروفًا؟!

7- هل سيجتمع إعلاميو فرقة المهزلة التي كانت في برنامج "المصريون" بالأمس للتنديد بالحادث المعلوم صاحبه؟!

8- هل سيتم صرف تعويضات لأهل السيد بلال وخاصة أسرته الصغيرة وابنه الذي لم يتجاوز أربع سنوات كما حدث مع النصارى، أم أنهم سوف يُعتقلون ويُعذبون حتى يُقرُّوا بالإكراه أنه مات بمزاجه دون تدخل أمني؟!

9- هل سيذهب البرادعي لتعزية أسرة القتيل كما فعل مع خالد سعيد، أم سيتغافل كما فعل في قصة كاميليا شحاتة؟!

10- هل ستقوم مراكز حقوق الإنسان وتندد وتشجب وتطلب بمحاكمة المسئول عن قتل السيد بلال، أم أن حقوق الإنسان لا تشمل الملتحين؟!

ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون؛ إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار

Read More »»

الأربعاء، 5 يناير 2011

اين بطاقتك الإنتخابية يا مصرى؟

. الأربعاء، 5 يناير 2011
0 التعليقات

Read More »»

كلمة الدكتور حازم فاروق حول أحداث كنيسة الأسكندرية

.
0 التعليقات

Read More »»

تحت شعار الهلال والصليب

.
0 التعليقات

تحت شعار الهلال والصليب، نظم العشرات من القوى السياسية من أحزاب الغد والكرامة والناصرى وحركة الاشتراكيين الثوريين، وحركت كفاية وحشد وشباب من أجل العدالة والحرية، وقفة احتجاجية مساء اليوم بمنطقة شبرا للتنديد بأحداث كنيسة "القديسين" والتى أسفرت عن مقتل 17 مواطنا بالتزامن مع احتفالات الكريسماس.

كما شارك فى التظاهرة العديد من الشخصيات العامة من بينها د. أيمن نور مؤسس حزب الغد، والنائب السابق محمد البلتاجى وحازم فاروق، ونائب الوفد السابق علاء عبد المنعم، ود.كريمة الحفناوى وحركة كفاية، وأمين إسكندر وكيل مؤسسى حزب الكرامة.

وردد النشطاء، عدد امن الشعارات من بينها: "مسلم قبطى الإيد فى الأيد.. لأجل ما نسمع فجر جديد.. أحمد زى جرجس حق مريم زى فاطمة.. شعب واحد وطن واحد عدو واحد.. ومصر يابلدى يا نور العين شعبك واحد مش شعبين.. مهما يعملو فينا مصر بلد الأمن والأمان.. حق مايكل زى أحمد.. وحق جرجس زى فاطمة.. ولا بوليسية ولا دينية عايزينه دولة مدنية".

وعندما حاول النشطاء الانطلاق فى مسيره بعد تجاهل المواطنين الواقفين على الجهة المقابلة للوقفة، قامت أجهزة الأمن بفرض كردون أمنى.
وقام عدد من النشطاء بتوزيع بيان ناشدوا فيه كافة المسيحيين للتضامن مع شهداء كنيسة القديسين وعدم الإفطار فى 7 يناير، بالإضافة إلى إلغاء جميع مظاهر العيد وإغلاق كافة الشركات والورش، ودعوة إلى جميع الموظفين المسحيين إلى الانقطاع عن العمل لمدة 3 أيام بدءا من غد الأحد حتى الثلاثاء المقبل.

وانطلق عدد من النشطاء السياسيين فى مسيرة بشارع شبرا، بعد محاولات منعهم، فيما استمر البعض الآخر منهم فى مظاهرتهم بدوران شبرا وسط حصار أمنى مشدد.

Read More »»

الثلاثاء، 4 يناير 2011

ورقة عمل للأستاذ أسامة حمدان: المواقف الأوروبية من التعامل مع حركات المقاومة الفلسطينية: حركة حماس نموذجاً

. الثلاثاء، 4 يناير 2011
0 التعليقات



يسر موقع مركز الزيتونة أن يتابع نشر أوراق العمل التي قدمت ضمن فعاليات مؤتمر "السياسة الخارجية الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية".
وفي ورقته، رأى الأستاذ أسامة حمدان أن أوروبا لم تنجح في بناء دور مستقل تجاه القضية الفلسطينية، وتجاه المقاومة على وجه الخصوص، ورضيت أن تلعب دور من يملأ فراغ الموقف الأمريكي، أو من يحاول إحداث بعض التوازن في محطات سياسية مختلفة. وأضاف أن المطلوب من أوروبا كثير لاعتبارات ثلاثة: عدم قدرة الولايات المتحدة على استعادة توازنها تجاه المنطقة قضاياها، ولا سيما القضية الفلسطينية؛ الدور الاقتصادي الذي تلعبه أوروبا على صعيد القضية الفلسطينية، فشل عملية التسوية، ودور ومكانة المقاومة الفلسطينية على المستوى الوطني والإقليمي والإسلامي، والأفق الإيجابي لمستقبلها ودورها وتأثيرها خصوصاً في ظل انهيار التسوية.
   أ. أسامة حمدان
وكان الأستاذ أسامة حمدان قد قدّم ورقة عمله في الجلسة الرابعة من جلسات المؤتمر، وكانت بعنوان: "المواقف الأوروبية من التعامل مع حركات المقاومة الفلسطينية: حركة حماس نموذجاً"، وذلك ضمن فعاليات مؤتمر "السياسة الخارجية الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية" الذي أقامه مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت بتاريخ 3-4/11/2010، وبحضور عدد كبير من الخبراء والأكاديميين المختصين والمهتمين بالشأن الفلسطيني، من نحو 20 بلداً عربياً وأجنبياً. وناقش المؤتمر، نحو 18 ورقة عمل متخصصة، موزعة على ست جلسات.


للاطلاع على ورقة عمل أ. أسامة حمدان، اضغط على الرابط التالي:

ورقة عمل للأستاذ أسامة حمدان: المواقف الأوروبية من التعامل مع حركات المقاومة الفلسطينية حركة حماس نموذجاً
  (15 صفحة، 253 KB)*

* إذا كانت لديك مشكلة في فتح الملفات، اضغط هنا

Read More »»

الاثنين، 3 يناير 2011

استفتاء جنوب السودان.. لا للتقسيم!!

. الاثنين، 3 يناير 2011
0 التعليقات



جرس إنذار يطلقه استفتاء جنوب السودان، والذي يسير في اتجاه فصل الجنوب عن الدولة الأم؛ تمهيدًا لتقسيمات أخرى تشمل دارفور وبلاد النوبة، طبقًا لمخططات غربية وكنسية تمَّ وضعها منذ مطلع القرن العشرين، والآن يتم تطبيقها على أرض الواقع، إلا أن ما يحدث في جنوب السودان لن يكون ذا تأثير محلي أو محدود وإنما سيكون له تأثير واسع في المنطقة العربية كلها؛ حيث يعدُّ هذا الاستفتاء هو الأول من نوعه في دولة عربية تعدُّ سلة غذاء العالم العربي كله.

ما يحدث في جنوب السودان سيكون له تأثيرات عديدة في الأمن القومي العربي والمصري على وجه الخصوص، فلم تعُد الأطماع الصهيونية والأمريكية في جنوب السودان خافيةً بعد، والتي ستكون البداية لدويلات أخرى سوف تشهد السنوات القادمة ولادتها إذا لم يستفِق العرب والمسلمون، أنظمةً وشعوبًا، لما يجري حولهم ويحاك ضدهم.

وفي هذا الملف نتابع استفتاء الجنوب لحظةً بلحظة، كما نرصد من خلال الخبراء والمختصين تأثيرات الانفصال على الأمن القومي العربي والمصري، وأزمة المياه التي ستعاني منها مصر نتيجة الانفصال، وموضوعات وقضايا أخرى.

ونعيد في الملف نشر جولة (إخوان أون لاين) في جنوب السودان منذ ثلاثة أشهر، والتي ألقينا فيها الضوء على الترتيبات التي وُضعت للانفصال منذ عشرات السنوات، وأوضاع المسلمين هناك، ودور المنظمات التطوعية الدولية، والبعثات الأممية والوجود الصهيوني والأمريكي، ومراكز القوى داخل الجنوب، وتفاصيل معيشة المواطن الجنوبي، والتركيبة القبائلية والعقائدية هناك:

أخبار وتقارير

تحقيقات وحوارات

أراء حرة

 رسائل وبيانات
- رأي الإخوان: لماذا البرلمان الشعبي؟!

Read More »»

الأحد، 2 يناير 2011

مصر الحقيقية ترد على «عز»

. الأحد، 2 يناير 2011
0 التعليقات


إذن فقد تحدث أمين التنظيم فى الحزب الوطنى المكتسح لمجلس شعب هو سيد قراره. أفردت له الأهرام - التى تحصل على ميزانيتها الضخمة من جيبك ومن جيبى، ومن جيوب الغلابة والمطحونين - من المساحة ومن الاهتمام ومن الترويج ومن الإخراج الفنى ما لم تفرد ربعه لأحد آخر. ليس من الصعب تخيل لماذا اضطر السيد أحمد عز إلى أن يتحول إلى كاتب طويل النفس، فلابد أنه يتابع - أو ربما يتلقى - تقارير منمقة عن حالة الكمد والرفض والقرف التى أصابت عامة الشعب المصرى لسنوات طويلة، وهى حالة زادت حدة حتى تحولت إلى حالة كوميمأساوية أثناء وبعد «انتخابات» مغتصبة باطلة بحكم محكمة.
لابد أنه وجد أن من واجبه أن يشرح لهؤلاء الذين يشعرون بما يشعرون أنهم لا يشعرون حقاً بما يشعرون لأن أولئك الذين رأوا ما رأوا لم يروا حقاً ما رأوا. «هو الجدع ده بيتكلم عن أى بلد بالظبط؟» تساؤل فى سياق تعليق مختصر لأحد قراء موقع «اليوم السابع» الذى نقل المقال عن الأهرام كى تنهال عليه تعليقات القراء الذين لم يجد كثير منهم أبلغ من ذلك الملاذ الأخير: «حسبنا الله ونعم الوكيل».
بعيداً عن تحليلاته لما حدث للوفد وللإخوان المسلمين، لجأ أمين التنظيم، الذى يؤمن بالتحديث وبآخر صيحات الموضة السياسية، إلى لغة الأرقام مرة أخرى. وهى لغة لا غبار عليها من الناحية النظرية شرط أن تكون حقاً صحيحة دقيقة فى المقام الأول، وفى المقام الثانى ألا تنتزع من سياقها انتزاعاً يفرغها من معناها ويضلل المتلقى.
أمام هذا لا أجد أبلغ مما ساقه أحد القراء، الذى وقع باسم «إبراهيم»، فى رده على السيد أحمد عز:
«بما أن سيادتكم تحدثتم بلغة الأرقام فسأجيبكم أيضاً بلغة الأرقام والأمر متروك لضمير سيادتكم: هناك 30 مليون مصرى مريض بالاكتئاب، منهم مليون ونصف المليون مرضى بالاكتئاب الجسيم، من بينهم 15% يلجأون إلى الانتحار (المرجع: د. أحمد عكاشة فى ندوة «المصرى اليوم» بتاريخ 28/9/2009). مصر تحتل المركز 57 من بين 60 دولة فى تقرير البؤس العالمى (المرجع: مؤشر بلومبيرج). لدينا 48 مليون فقير و1109 مناطق عشوائية (المرجع: تقرير صندوق النقد الدولى للتنمية الزراعية). لدينا مليونان ونصف المليون يعيشون فى فقر مدقع (المرجع: تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإدارية).
 45% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر بأقل من دولار فى اليوم (المرجع: لجنة الإنتاج الزراعى فى مجلس الشورى). لدينا 12 مليون مصرى دون مأوى، منهم مليون ونصف المليون يعيشون فى المقابر (المرجع: الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء). ما لا يقل عن 46% من الأسر المصرية لا تجد الطعام الكافى للحركة والنشاط (المرجع: تقرير شعبة الخدمات الصحية والسكان فى المجلس القومى للخدمات والتنمية الاجتماعية).
 لدينا 88 ألفاً و779 قتيلاً و379 ألفاً و233 مصاباً بسبب حوادث الطرق فى الفترة من 1990 إلى 2006، وهو ما يمنح مصر المركز الأول على مستوى العالم (المرجع: الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء). لدينا 7394 حادثاً بقطاع السكة الحديد فى الفترة من 2000 إلى 2006 أسفرت عن مصرع 573 شخصاً وإصابة 805 آخرين، كما أن لدينا 4 مليارات جنيه خسائر سنوية بسبب حوادث الطرق (المرجع: مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار). لدينا 39 ملياراً و373 مليوناً و524 ألف جنيه أموالاً و370441 فداناً دارت حولها أخبار الفساد المالى والإدارى والإهمال وإهدار المال العام فى الفترة من أبريل 2008 إلى يناير 2009 (المرجع: تقرير عام 2008 لمركز الدراسات الريفية).
مصر تحتل المركز الأخير بين 134 دولة فى معدل تعيين الأقارب والأصدقاء فى المناصب المختلفة (المرجع: تقرير التنافسية العالمية). مصر تحتل المركز 115 بين 134 وفقاً لمؤشر مدركات الفساد الذى يقيس درجة انتشاره بين المسؤولين فى الدولة (المرجع: تقرير التنافسية العالمية). مصر تتراجع من المركز 72 عام 2006 إلى المركز 105 عام 2007 إلى المركز 115 عام 2008 فى مؤشر الشفافية والنزاهة (المرجع: منظمة الشفافية العالمية). لدينا أعلى معدل لوفيات الأطفال فى العالم بواقع 50 طفلاً لكل 1000 مولود (المرجع: جهاز التعبئة العامة والإحصاء).
 نصف أطفال مصر لديهم أنيميا، و29% منهم لديهم تقزم، و24% منهم لديهم قصر قامة حاد، كما أن لدينا 8 ملايين شخص مصاب بالسكر و9 ملايين شخص مصاب بفيروس سى الذى يضع مصر على قمة دول العالم فى الإصابة بهذا المرض (المرجع: د. مديحة خطاب، رئيس لجنة الصحة بأمانة السياسات فى الحزب الوطنى الديمقراطى). لدينا 20 ألف مصرى يموتون سنوياً بسبب نقص الدماء (المرجع: تقرير لوزارة الصحة المصرية). لدينا أكثر من 100 ألف مواطن يصابون بالسرطان سنوياً بسبب تلوث المياه (المرجع: د. أحمد لطفى، استشارى الأمراض الباطنة والقلب فى مستشفى قصر العينى).
 لدينا سيارة إسعاف لكل 35 ألف مواطن (المرجع: د. حاتم الجبلى، وزير الصحة، الأهرام فى 3/7/2008). من كل 100 شاب لدينا 16 استخدموا المخدرات، ولدينا 10 ملايين عاطل بين سن 15 و29، أى نحو 22% من إجمالى قوة العمل، كما أن لدينا 9 ملايين شاب وشابة تخطوا سن 35 دون زواج، بمعدل عنوسة 17%، ولدينا 255 ألف حالة زواج عرفى بين الطلاب، وهو ما يعادل 17% من إجمالى طلاب الجامعات فى مصر، نتج عنها 14 ألف طفل مجهول النسب.
مصر أيضاً تحتل المركز الأخير بين 134 دولة فى مؤشر كفاءة سوق العمل والمركز 129 فى معدل هجرة العقول العلمية والموهوبة والمركز 125 فى مؤشر استقرار الاقتصاد الكلى (المرجع: تقرير التنافسية العالمية). لدينا أخيراً 40 حالة تعذيب ثابتة رسمياً فى عام 2007 و28 حالة ثابتة رسمياً فى عام 2007 عدا الحالات التى لم يمكن إثباتها، كما أن لدينا حالة وفاة تحت التعذيب فى 2007 و56 حالة تعذيب لمواطنين داخل أقسام الشرطة، من بينها 13 حالة وفاة غامضة و25 حالة اضطهاد واحتجاز تعسفى فى الفترة من يونيو 2008 إلى فبراير 2009 (المرجع: المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)».
شكراً للسيد أحمد عز الذى أتاح لنا مناسبة لعرض هذه الأرقام والإحصاءات التى لا يمكن أمامها لإنسان لديه قطرة دم إلا أن يشعر بالخزى والعار والمهانة. وشكراً للمواطن «إبراهيم» الذى قدم لنا فى تعليق عابر ما لم تقدمه لنا أحزاب المعارضة المصرية فى سنوات.                                        استقيموا يرحمكم الله.   

Read More »»